أهلاً صديقتي .. ماذا يخطر ببالك عند سماعك أو قراءتك لكلمة ( إيجابية) ؟
غالباً يشعرنا هذا المصطلح بالتفاؤل و السعادة. التفكير الإيجابي فعلاً أحد العوامل الهامة التي تؤثر على جودة حياتنا و سعادتنا الشخصية. و قد تستغربين إن قلت لك أن التفكير الإيجابي رغم فوائده قد يشعرك بالتعاسة و السوء! و ذلك عندما يوقعك بالإيجابية السامة أو فخ السعادة . فكيف ذلك؟
الوجه الآخر للتفكير الإيجابي .. الإيجابية السامة
1- عدم احترام مشاعرك الفعلية و الحكم عليها :
من خلال الاعتقاد بأنك تحتاجين فقط إلى التفكير بشكلٍ إيجابي، فإنك تعتقدين أن ما تشعرين به بالفعل هو أمر سيء و خاطئ. و كأنك تحددين أنواع الأفكار و المشاعر المقبولة، و أيها غير المقبولة. و هذا يجعلك تشعرين أنك أسوأ. فأنت بذلك لا تحترمين مشاعرك الفعلية، و لا تسمحين لنفسك أن تشعري بما تشعرين به حقاً، فتحكمين على أفكارك بأنها سلبية و أن ما تشعرين به سيء، و أنك بحاجة إلى تغييره إلى شيء يشعرك بالرضا.
عندما تقولين لنفسك: ما عليك سوى التفكير بشكل إيجابي بشأن هذا الأمر .. كأنك اتخذتِ قرار بأن الموقف الذي تتواجدين فيه سلبي و سيئ. و أنكِ ارتكبت شيئاً خاطئاً، و أنه يجب عليك التفكير بشكل مختلف. و هذه الفكرة تشعرك بالذنب. ومن ثم تشعرين بأنك أسوأ!
ربما يتجاوز الأمر ذلك إلى التفكير بأفكار مثل، أنا شخص سلبي، أو أفكر دائماً بهذه الطريقة، أو أفعل هذا دائماً، مما يقودك مرة أخرى إلى الشعور بالسوء.
و هذا أمر خطير، لأن ذلك يعني أنه من المفترض أن نشعر فقط بالعواطف التي تشعرنا بالمتعة و الإيجابية و الراحة. ذلك تجاهل لحقيقة أن الله خلقنا مع مجموعة كاملة من المشاعر الإنسانية عن قصد، لأنه من المفترض أن نمر بكل هذه المشاعر.
مثلاً تخيلي: أنك تعتقدين أنه من السيئ أو الخطأ أن تشعري بالحزن، فإنك ستفعلين أي شيء يمكنك فعله لتجنب الشعور بالحزن، لأنك لا تريدين أن تري نفسك على أنك سيئة أو مخطئة.
معظمنا لم ينشأ على السماح لمشاعرنا بالتواجد ولم نتعلم ذلك. و ربما كان إظهار المشاعر أمراً مستهجناً أو انتقاداً أو حتى عقوبة. ربما تم تجاهل مشاعرك أو التقليل منها، مما دفعك إلى عدم الثقة بنفسك و بعواطفك. لهذه الأسباب و غيرها، ربما تكونين قد تعلمت أنه ليس من الآمن إظهار مشاعرك.
و هذا جعلنا نتعلم تجنب مشاعرنا أو تجاهلها و الهرب منها عن طريق النوم أو الذهاب للتسوق أو التمرير على هواتفنا لتجنب الشعور بما نشعر به لتجنب الشعور بشيء غير مريح.
الحقيقة هي ( أنا شخص سلبي) مجرد فكرة. إنها تبدو حقيقية فقط لأنك فكرتِ بها كثيراً عن نفسك. و هذا لا يعني أنها فكرة صحيحة. الصحيح ليس أنك شخص سلبي، بل أنك إنسان تفكرين أحياناً في أفكار تقودك إلى الشعور بمشاعر سلبية، و هو شعور غير مريح أو غير سار. و أنت أيضاً إنسان تراودك أحياناً أفكار تقودك إلى الشعور بمشاعر أكثر إيجابية أو راحة أكبر.
2- تجاهل الواقع:
قد يؤدي التفكير الإيجابي المفرط إلى تجاهل الواقع و المشاكل الحقيقية و عدم محاولة حلها، و التصرف بشكل غير مناسب في مواقف تتطلب معالجة جدية.
ما أعنيه بذلك هو أنه عندما نعتقد أن الحل هو التجاهل أو الابتسام خلال موقف صعب أو غير مريح، فإن الأمر يشبه وضع لاصق جروح على يد مكسورة؛ بينما اليد فعلياً بحاجة إلى تجبير ! و بذلك لا تصلين أبدًا إلى جذر المشكلة.
ربما نشعر أننا مشغولون جدًا لدرجة أننا لا نستطيع التوقف و السماح لأنفسنا بالشعور بمشاعرنا حقًا.
و قد نكون أكثر قلقًا بشأن ما قد يعتقده الآخرون عنا إذا سمحنا لهم حقًا برؤية ما نشعر به.
ربما لا نريد أن يُنظر إلينا على أننا أشخاص عاطفيون أو حساسون.
مهما كان السبب، فإننا هكذا نفقد واحدة من أكثر التجارب عمقًا، و هي الشعور بالعاطفة .. بكل شيء.
خلق الله لنا المشاعر و العواطف لأن لها هدف و قيمة. بينما نحن نفهم فقط ما يعنيه أن تكون سعيدًا و أن تكون في سلام.
عندما نسعى وراء فخ السعادة، معتقدين أن هذا هو ما يفترض بنا أن نشعر به معظم الوقت، نحن نعيش حياة نشعر فيها بأن هناك شيئًا مفقودًا.
3- الضغط النفسي:
في كثير من الأحيان نجبر أنفسنا على التفكير بشكل إيجابي بشأن شيء ما. و هذا ما يعني غالباً التفكير في شيء لا نؤمن به حقًا، وعقلنا يعرف ذلك. كأنك تغطين طاولة قديمة مخدوشة بمفرش جميل ! الحقيقة هي أنك لا تزالين تمتلكين تلك الطاولة القديمة و غطيتيها بمفرش جميل حتى لا تضطرين إلى النظر إليها.
كذلك عندما نضغط على أنفسنا للتفكير بشكل إيجابي دائمًا. يمكن أن يزيد ذلك من الضغط النفسي و يؤدي إلى الشعور بالتوتر. لذلك كوني حذرة ففي بعض الأحيان تكون الأفكار الإيجابية التي نتمسك بها خادعة حقًا.
مثلاً: الأمر ليس بهذا السوء. أو أنه ليس شيئًا يجب أن أشعر بالانزعاج منه حقًا. قد تتضمن أيضًا الكلمات “فقط” أو “ينبغي”. تميل هذه الكلمات إلى التقليل من مشاعرنا الحقيقية أو الحكم على أنفسنا بناءً على ما نشعر به حقًا.
لقد كان يوماً سيئاً فقط، أو لا ينبغي أن أشعر بهذا، ربما يجب أن أكون أكثر سعادة .. هذه كلها أمثلة على ما يمكن أن يبدو عليه التفكير الإيجابي الخادع. تبدو و كأنها أفكار من شأنها أن تساعدك على الشعور بالتحسن تجاه شيء ما. لكن في الواقع، عادة ما تجعلك تشعرين بالسوء. و عندما تحاولين تجاهل العواطف السلبية بشكل دائم، يمكن أن تتراكم هذه العواطف و تؤدي إلى انهيار عاطفي في وقت لاحق.
مع المشاعر السلبية تقل الإنتاجية؛ لذلك أنصحك بقراءة هذه المقالة لتعرفي كيف تتصرفين: 6 نصائح للإنتاجية في الأوقات الصعبة
بالتأكيد، هدف التفكير الإيجابي هو تحسين جودة حياتنا و رفاهيتنا العامة. و يمكن أن يساعد في تعزيز الصحة العقلية و الاستفادة من الفرص بشكل أفضل. و مع ذلك، من الضروري أن نكون واقعيين و متوازنين في تقديرنا للأمور.
الفرق بين التفكير الإيجابي والتفكير الهادف:
التفكير الإيجابي: يركز على الجوانب الإيجابية و يسعى لرؤية النصف الممتلئ من الكأس. يميل إلى التجاهل أو التخلي عن الجوانب السلبية.
التفكير الهادف: يسعى إلى فهم الواقع بشكل كامل، بما في ذلك الجوانب الإيجابية و السلبية. يهدف إلى التعامل بفعالية مع التحديات و حل المشكلات. و هذا ما يجب أن نسعى إليه.
الخلاصة:
التفكير الإيجابي له دور هام في تحسين جودة الحياة، و لكن يجب استخدامه بحذر و وعي. يجب علينا أن نتعامل مع الواقع بشكل متوازن و نكون واقعيين في تقديرنا للأمور و نتعلم كيف نتعامل مع الجوانب السلبية فينا.
فالله عز وجل خلقك بكل هذه المشاعر لتشعري بهم كلهم ، المشاعر المريحة مثل : السعادة و الفرح و البهجة، و غير المريحة مثل الغضب و الحزن و التهيج و خيبة الأمل و الشعور بالذنب و الشك و الخوف. لا يعني ذلك أن هناك شيء خاطئ بكِ على الإطلاق، و إنما يعني أنك بكل بساطة إنسان.
أحياناً مفتاح الشعور بالتحسن هو السماح لنفسك بالشعور بما تشعرين به حقًا. عندما نسارع إلى تجاهل مشاعرنا أو تجنبها، فإننا نحرم أنفسنا من فرصة تعلم النمو و عيش حياتنا بالطريقة التي خلقنا الله عليها.
لذلك لدي تحدٍ صغير لك:
في المرة القادمة التي تلاحظين فيها أنك تحاولين التفكير بشكل إيجابي، توقفي قليلاً. أريدك أن تشعري بالفضول تجاه المشاعر التي تحاولين تجنب الشعور بها. و حاولي أن تعطي اسمًا لهذه المشاعر. مجرد اسم شعور من كلمة واحدة. ثم في اللحظة التي تلاحظين فيها تلك الرغبة في إخبار نفسك بالتفكير بشكل إيجابي يمكنك أن تقولين: هذا أمر جيد. لم يحدث أي خطأ. أنا أشعر فقط بــ … (اسم الشعور الذي تشعرين به). مثلاً: أنا فقط أشعر بالحزن. حسنًا، فقط قومي بتسميته و اعترفي بوجوده. يمكن أن تكون هذه ببساطة الخطوة الأولى لإخبار نفسك أن الشعور بمشاعرك أمر آمن، و ليس شيئًا يجب عليك الهروب منه.
و الآن أخبريني ما رأيك بالتفكير الايجابي؟
أخصائية علاج وظيفي ، كوتش و صانعة محتوى
مختصة في الإنتاجية و العناية بالنفس للأمهات