هل تذكرين رمضان في عام 2020؟ عندما عشنا جميعًا شهر رمضان بلا مسجد ، أو الذهاب إلى العمل ، أو جمعات الإفطار !
على الرغم من صعوبة التجربة للكثير منا ، لكنها كانت فرصة فريدة لتجربة رمضان أكثر تركيزاً على علاقتنا مع الله سبحانه وتعالى مقابل تجربة رمضان التقليدية التي تجعلنا نشعر بالرقي الروحي و التلاحم الاجتماعي ، ولكن بنفس الوقت يغلب علينا الانشغال و الإرهاق.
بالنسبة لي كان ذاك رمضاناً فريداً جداً حيث ركزت فيه على (من أكون) بدلاً من (ماذا أفعل) ! فقد عشت اليقظة في رمضان حقاً ..
سمعت لأول مرة عن مصطلح “اليقظة الذهنية” قبل عامين تقريبًا من مدربتي الشخصية حينما وجدتني متحمسة لعمل كل الأشياء و الإنجاز، قالت لي يومها : توقفي قليلاً عن فعل المزيد و كوني أكثر يقظةً فيما تفعلينه عادة لمدة أسبوع فقط . وقع علي كلامها كالصاعقة و أنا بعز حماسي و لكنني استمعت لنصيحتها وطبقتها، وكانت فعلاً نصيحة ذهبية غيرت مجرى حياتي بفضل الله .
تُعرف اليقظة الذهنية ببساطة على أنها ممارسة الوعي لحظة بلحظة (الآن)، بأفكارك، ومشاعرك وأحاسيسك الجسدية والبيئة المحيطة، بمراقبة دقيقة دون تفسير أو أحكام.
فعندما نكون أكثر وعياً بأفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا ، نصبح أقل تفاعلاً عاطفياً مع الآخرين والمواقف و نصبح أكثر هدوءاً ونتصرف بهدف و نية أكثر بدلاً من رد الفعل أو التصرف بلا تفكير.
لا يساعدك التواجد في الوقت الحاضر على التركيز بشكل أفضل فحسب ، بل يساعدك أيضًا على تجنب التوتر والقلق غير الضروريين أثناء ملاحظة المزيد من التفاصيل من حولك.
إذا استيقظتِ ذات صباح وقيل لك فجأة في ذلك الوقت أنك لن تأكلي أو تشربي أي شيء خلال الـ 16 ساعة القادمة ، كيف ستشعرين؟ هل ستتحملين ذلك؟. هل تحبين ذلك؟ على الأغلب لا.. لماذا؟ لأنك لم تكوني مستعدةً ذهنيًا.
بينما يعرف المسلم أنه سيصوم رمضان كل يوم لمدة شهر. فيكون لدى عقله الوقت للاستعداد للشهر . ولهذا السبب ، يمكنه الاستيقاظ كل يوم وهو مستعد لأداء أعماله اليومية ، بدون ماء أو طعام. يوضح هذا فقط مدى قوة عقولنا حقًا ، وكيف يمكننا اجتياز المهام الصعبة للغاية مع القليل من قوة الدماغ بعد الاستعانة بالله طبعًا .
هناك سبب آخر يجعل رمضان شيئًا يستطيع المسلمون القيام به عامًا بعد عام. رمضان هو أكثر من مجرد الحرمان من الطعام والشراب والشهوات، إنه يتعلق أيضًا بالتركيز ؛ التركيز على اللطف والروحانية والعطاء. لا أحد يقول إنه سهل ، ولكن التركيز على جوانب مهمة من الحياة بصرف النظر عن الطعام ، يجعل العقل والجسم أقوى .
لماذا كتب الله علينا الصيام؟ الجواب: “لعلكم تتقون”
والله حكيم عليم، يعلم أن الصيام يحقق التقوى، وأن من صام صوماً صحيحاً سيكون من المتقين..
فإن لم يحقق هذا الصائم التقوى فعليه أن يراجع نفسه، وأن يصحح طريقة صيامه، وأن لا تصوم معدته عن الطعام والشراب فقط وإنما يصوم كيانه كله، ويتربى على الصيام، ويتزكى به، يجب أن تصوم عينه وأذنه ولسانه ومشاعره وأحاسيسه، ويجب أن يصوم عقله وفكره وخياله، ويجب أن يصوم قلبه وأن تصوم نفسه، وأن يصوم سلوكه، حتى يكون من المتقين.
والتقوى تقوم على الحذر والوقاية والانتباه واليقظة والوعي والبصيرة . قال تعالى :“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون”
لذلك ، فإن اليقظة في رمضان هي أن تكوني حاضرة النية ومنتبهة و حريصة على الإحسان في العبادة والظهور بأفضل ما لديك كما لو كان بإمكانك رؤية الله عز وجل واستشعار رؤيته لك “الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يَراك”
إذا فكرنا في الصيام ، وهو الواجب الأساسي في رمضان ، سنجده يتعلق بالتوقف عن فعل شيء أكثر من الأمر بفعل العبادة الظاهرة.. أي الامتناع عن الأكل والشرب والشهوة مع أنهم من المباحات. فالصوم بطبيعته عمل قلبي لأننا نمنع أنفسنا من إطعام أجسادنا ، ونحن نزرع أرواحنا حتى عندما لا يراقبها أحد. حتى الطفل الذي يتمتع بضمير حي لن يشرب رشفة من الماء دون أن يراه أحد لأنه يعلم أن الله يراه.
وهذه اليقظة أو الوعي بالله عز وجل هو أساس رمضان و أجره عظيم ، فقد قال الله سبحانه بالحديث القدسي ” كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به “رواه الإمام البخاري في صحيحه
كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرنا يقظة مع الله عز و جل في هذا الشهر ، فقد تجاوزت أفعاله كماً وكيفًا في هذا الشهر كل الحدود.
في رمضان هذا ، بينما نحاول أن نظهر لله سبحانه وتعالى بأحسن ذواتنا ، فلنتذكر أن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى قلوبنا و أعمالنا أكثر من أي شيء آخر .
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهﷺ: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم
اسألي نفسك التالي :
بينما تفكرين في الأسئلة السابقة أعلاه، قد يجول بخاطرك: وماذا بعد رمضان؟ كيف أحصل على مزيد من اليقظة والامتنان والصبر والرحمة بعد رمضان؟
أرجو أن هذه المقالة كانت محفزاً لكِ لتصنعي رمضاناً مختلفاً .. و أرجو أنكِ في رمضان هذا العام ، عندما تتجمعون حول مائدة الإفطار ، أو عندما تأكلين ، أو تزورين العائلة والأصدقاء ، أو تؤدي صلاتك و عباداتك اليومية ، أن تكوني أكثر وعياً و تركيزاً لتعيشي اليقظة في رمضان..
أسأل الله أن يبلغنا رمضان ونحن في أتم الصحة والعافية و أن يعيننا على أنفسنا ..
أراك في مقالات قادمة باذن الله .. لك مني كل الحب و الود.
أخصائية علاج وظيفي ، كوتش و صانعة محتوى
مختصة في الإنتاجية و العناية بالنفس للأمهات
يشكّل التغيير جزءاً أساسياً من حياتنا؛ فالتغيير سنة الحياة. لكن كيف نتقبل التغيير و كيف… إقرأي المزيد
الاهتمام بالأخ أو الأخت الصغرى أكثر .. رفض أحد الوالدين شراء لعبة أو وجبة مفضلة… إقرأي المزيد
اقترن النجاح و الإنجاز بالشخصية القوية، فهي من يستطيع التغلب على التحديات و الارتقاء للوصول… إقرأي المزيد
سمعنا كثيراً بالنصيحة التي تقول أن التفكير الإيجابي يجعلنا أكثر تفاؤلاً و سعادة .. لكن… إقرأي المزيد
أصبح تسخير قوة الطبيعة لشفاء أجسادنا و عقولنا و أرواحنا من ضروريات هذا العصر ..… إقرأي المزيد
هدر الطعام .. أصبح أزمة عالمية و يؤثر سلباً على حياتنا من عدة نواحٍ. لكن… إقرأي المزيد