استلهمي

الإهمال العاطفي في الطفولة و التشافي منه .. دليلك خطوة بخطوة

يمكن أن يكون للإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة تأثيرات دائمة على الصحة العاطفية و العلاقات الشخصية. و مع ذلك ، من الممكن التشافي منه و تنمية المرونة العاطفية لدينا. لذلك في هذه المقالة يا أوركيدتي سوف نتعمق في آثار الإهمال العاطفي في الطفولة، و أقدم لك خطوات عملية لتعزيز التشافي و النمو العاطفي لديك.

سواءً كنت قد جربت الإهمال العاطفي بنفسك أو كنت ترغبين في دعم شخص لديه  هذه المشكلة، سيساعدك هذا الدليل على البدء في طريق العافية العاطفية.

فهم الإهمال العاطفي في الطفولة:

ما هو الإهمال العاطفي؟

حسب كتاب ( السير بلا وقود للتغلب على الإهمال العاطفي في الطفولة) و وفقاً لقاموس ميريام وبستر الإنجليزي ) فإن تعريفه هو: تقديم قدر ضئيل من الاهتمام أو الاحترام و التجاهل؛ ترك الأمر من دون رقابة، خاصة بعدم المبالاة.

و تستخدم كلمة الإهمال عادة للإشارة على عدم تلبية الاحتياجات المادية، بينما الإهمال الذي أتحدث عنه هو الإهمال الغير مرئي و هو إهمال المشاعر، و خصوصاً لدى الطفل الذي لا يعرف التعبير عن مشاعره.

فمثلاً عند حصول موقف مؤذٍ، لا يستطيع الطفل التعبير عن مشاعره، فقط يشعر بإحساس لا يجيد التعبير عنه و هذا هو الإهمال العاطفي. و أعتقد أن لدى الكثيرين هذه المشاعر بحيث لا يدركونها، فقط يتذكرون المواقف المؤلمة و لا يتذكرون مشاعر هذه المواقف. 

يكمن ضرر الإهمال العاطفي في عدم فهم للمشاعر التي تكونت لنا منذ الطفولة و بالتالي سيجد الإنسان البالغ الذي لديه إهمال عاطفي بصعوبات و تحديات في علاقاته، بحيث سيشعر بتلك الآلام و ينسبها للطرف الآخر بينما الشخص الآخر ليس لديه أدنى فكرة عن سبب ردات الفعل المبالغ فيها.

و من هنا سندرك كيف أن الإهمال العاطفي سيظهر لنا بشكل أو بآخر عن طريق المواقف و الأشخاص الذين نواجههم في حياتنا اليومية.

التعرف على تأثير الإهمال العاطفي:

كما ذكرت سابقاً، سيواجه الشخص الذي لديه إهمال عاطفي تحديات في مواجهة الحياة و خصوصاً مع الأشخاص الذين في حياته. و سيزيد الطين بلة أن سيكون لديه بشكل غير واعٍ عدم احترام و تقدير للذات، و بالتالي سيؤثر على طريقة تفكيره و رؤيته للعالم من حوله و كيف سيترجم الأحداث و المواقف التي تواجهه في حياته اليومية. 

عملية الشفاء من الإهمال العاطفي في الطفولة

تبدأ عملية الشفاء الفعلية عندما نتعاطف مع أنفسنا على ما جرى من أحداث الماضي، و إذا لم نستطع تخطي آلامنا، فيمكنننا طلب المساعدة من المختصين في تخطي الإهمال العاطفي و أخذ الخطوات العملية للشفاء. 

من تجربتي الشخصية، بدأت رحلة التعافي منذ بدأت بإدراك مشاعري في معظم الأوقات، و قد ساعدني كتاب السماح بالرحيل لديفيد هاوكنز بإدراك مشاعري و ذكرياتي المدفونة عندما كنت طفلة. 

يمكنك مشاهدة ملخصي و تجربتي مع كتاب السماح بالرحيل على قناتنا في اليوتيوب.

تذكري أن رحلة الشفاء عملية تدريجية .. فلا يمكننا تخطي بلاء عمر  ( عمرك الآن ) في ليلة و ضحاها، و إنما هذه مرحلة لتطبيب جراحنا و احتضان أنفسنا في هذه الرحلة.

الوعي الذاتي و عيش اللحظة:

إن الوعي الذاتي و عيش اللحظة تعتبران من الأدوات الأساسية للتشافي من الإهمال العاطفي.

الوعي بمشاعرنا و أفكارنا ( دون أحكام )  في تلك اللحظة سيساعدنا كثيراً في فهم مشاعرنا و من الممكن التوصل لحل لجذر المشكلة. من الممكن أيضاً أن ندرك أن لدينا انخفاض في التقدير الذاتي و بالتالي الاستعانة بمرشد حياتي لتخطي انخفاض تقدير الذات.

عند وصولك لمرحلة إدراك مشاعرك و أفكارك تبدئين فعلياً بمرحلة التشافي و فهم عميق لما حصل لك في مرحلة الطفولة. بالتالي فإن ذلك سيساعدك في مسامحة الأشخاص المسببين للإهمال العاطفي. ستدركين أن حتى من قاموا بإهمال مشاعرك في طفولتك كانوا هم أيضاً يعانون، لكن دون علم منهم أن لديهم هذه المشكلة. لا يستطيعون طلب المساعدة و سنحمد الله لوصولنا لهذه المرحلة وعلى تقدم العلم لفهم هذه المشاكل.

احتضان الضعف:

من الآثار الجانبية لفهم مشاعرنا هو إدراك لحظات معينة من الضعف و الهشاشة التي سنواجهها أثناء عملية التشافي. يمكنك هنا طلب الدعم من أحبائك أو حتى الاستعانة بمرشدة حياتية لاحتضان ضعفك و عدم إصدار الأحكام عليك. أنصحك بالتكلم مع المستشارة الحياتية هدى العوثاني ليس للعلاج فقط، و إنما لتُفضي عن مكنونات مشاعرك و إرشادك في رحلة التشافي؛ لأنها خير مثال على من يخوض هذه الرحلة و تحسن الاستماع لك في مرحلة ضعفك إذا لم تجدي البيئة المناسبة لاحتضان ضعفك و خلق مساحة آمنة للتعبير عن مشاعرك.

بناء الذكاء العاطفي:

مثلاً قومي بتحديد مشاعرك بدقة في تلك اللحظة التي تشعرين بمشاعر غير مريحة. مثلاً: عند الشعور بحزن مفاجئ، قومي بتدوين تلك المشاعر و محاولة فهم مصدر هذه المشاعر. من الممكن أن تكون فكرة قد مرت في عقلك و قامت بإظهار مشاعر الحزن لديك. اكتبي متى أحسست بهذه المشاعر و من الأشخاص المتواجدين في تلك اللحظة، ماذا كنت تفعلين عندما ظهرت تلك المشاعر. عند ممارسة هذا النشاط، ستبدئين بتطوير الذكاء العاطفي لديك و تحديد نمط التفكير المسبب لتلك المشاعر.

ممارسة الرعاية الذاتية:

ابدئي ببعض الممارسات للعناية بذاتك .. كأخذ وقت مستقطع لذاتك ( مي تايم ) و لدي بعض الأفكار على قناتنا في اليوتيوب لقضاء هذا الوقت الجميل مع ذاتك. 

يمكنك أيضاً ممارسة الكتابة و كتابة جميع مشاعرك و بالتالي تقومين بنفض أفكارك على الورقة بدلاً من بقائها في تفكيرك فقط. 

من الضروري جداً رعاية أنفسنا في هذه المرحلة و خصوصا ( بداية الرحلة ) و إعطاء ذاتنا الأولوية في تلبية رغباتنا و احتياجاتنا.

كسر أنماط التفكير السلبي:

عندما نتعرض منذ الصغر للإهمال العاطفي، فإن عقلنا في تلك اللحظة لا يعرف سوى نقيض المشاعر و الأفكار الإيجابية. فمثلاً، في حالة إهمال مشاعر الحب في الطفولة، تكون ترجمتها لا أحد يحبني .. (هذا فقط أحد الأمثلة)

عند معرفتنا لنمط التفكير هذا، فإننا نستطيع بوعي منا تغيير هذه الأفكار و المشاعر عن طريق أدلة على أرض الواقع تدحض هذه الأفكار. 

و عند شعورنا بمشاعر الغضب من اللاشيء، يمكننا تحويل هذه الطاقة لعمل إبداعي. فمثلاً قومي بممارسة هواية تحبينها، كالعزف أو الرسم و بالتالي تفريغ هذه الطاقة لعمل إبداعي تفتخرين فيه بنفسك و تعززين الأفكار الإيجابية عن ذاتك.

إنشاء حدود صحية:

في مرحلة التعافي، من الضروري وضع حدود صحية لحماية ذاتنا و منع المزيد من مشاعر الإهمال العاطفي. فمثلاً، تستطيعين التعبير عن الأشياء و التصرفات التي لا تعجبك و تشعرين أنها قامت بإحداث ألم داخلي في نفسك. عند تلقي التوبيخ من مديرك/تك في العمل، تستطيعين أن تعبري عن مشاعرك بطريقة حازمة و لبقة في الوقت ذاته، مثلاً لو سمحت لا ترفعين صوتك علي او لا داعٍ لارتفاع الصوت، نحن بالغين و نستطيع حل المشكلة بهدوء. و إذا حصل خطأ منك تستطيعن القيام بنفس الشيء و الاعتذار عن خطئك.

تنمية العلاقات الصحية:

في مرحلة التشافي، نحتاج إلى الأشخاص الداعمين لنا و ليس علينا؛ فوجود الصديقات المهتمات في نفس المجال تستطيعين التعبير عن ذاتك بحرية دون إصدار أي أحكام عنك. مثل هذه الصداقات نحتاجها لمزيد من الدعم في حياتنا، و يفضل الابتعاد عن الأشخاص المؤذيين، ( أعلم أنه قد يكون أحد الوالدين أو المقربين )، نستطيع تجاهل كلامه و عدم الدخول معه في جدال ( خليه/ خليها كأنها تكلم الجدار و لا تاخذي كلامه/ها  على محمل الجد ).

إذا أحد من الوالدين قام بإرغامك على فعل لا تودين القيام به، تستطيعين بكل أدب الرفض و قول أنه لا يناسبك و شرح مشاعرك. حتى لو قاما بالاستهزاء بمشاعرك ( طنشيها ) أهم شيء راحتك و وقتك و اهتماماتك و تذكري إنهم سيغضبون لفترة لكن لا يستطيعون البقاء طويلاً بحالة الزعل و الغضب هذه خصوصاً من الأبناء. علينا أن نتذكر أن الوالدين مهما قاموا بإيذائنا ( بقصد أو من دون قصد ) فإنهم يفعلون ذلك من وجهة نظرهم و الطريقة التي تربوا عليها في صغرهم. 

الخاتمة

التشافي من الإهمال العاطفي مهم جداً لجميع مناحي حياتنا و خصوصاً لأنفسنا؛ فنحن بذلك نصنع معروفاً لأنفسنا و نقدم الدعم و الرعاية التي لم نحصل عليها في السابق، و بالتالي نطور إدراكنا لذاتنا و فهمنا و رفع استحقاقنا لما هو أفضل لنا في هذه الحياة.

الأشخاص الذين لا يهتمون من هذه الناحية -من دون وعي منهم- لديهم إحساس داخلي بأنهم لا يستحقون الخير الوفير في هذه الحياة؛ و هذا بسبب انخفاض وعيهم لذاتهم و انخفاض التقدير الذاتي لديهم بسبب الإهمال العاطفي في الطفولة.

أتمنى و لو بجزء بسيط أني أفدتك بهذه الخطوات العملية للتعافي من الإهمال العاطفي في الطفولة، و تذكري إنها رحلة و مثل اللعبة لكل مرحلة وقتها في التشافي. 

ألقاك على خير يا أوركيدتي .. و حتى ذلك الوقت أتركك في حفظ الرحمن و رعايته

شاركي
نشرت بواسطة
منى العوبثاني

أحدث المقالات

أواني الطهي الآمنة و غير الآمنة: دليل شامل و مختصر لصحتك

تختلف المواد التي يصنع منها أواني الطهي و أصبحت أكثر تنوعاً لتخدم شتى الاستخدامات لنتيجة… إقرأي المزيد

منذ ساعة واحدة

مراحل التغيير .. وثبات واثقة نحو الهدف

لا تظل الحياة على حال واحد .. فالتغيير أساسي فيها. لكن لتصلي لوجهتك في رحلة… إقرأي المزيد

منذ أسبوعين

التغيير .. كيف نواجهه لحياة أجمل و أفضل

يشكّل التغيير جزءاً أساسياً من حياتنا؛ فالتغيير سنة الحياة. لكن كيف نتقبل التغيير و كيف… إقرأي المزيد

منذ 7 أشهر

الشخصية القوية .. هل حلم صعب التحقيق؟

اقترن النجاح و الإنجاز بالشخصية القوية، فهي من يستطيع التغلب على التحديات و الارتقاء للوصول… إقرأي المزيد

منذ 8 أشهر

هل يمكن أن التفكير الإيجابي قد يشعركِ بالتعاسة؟

سمعنا كثيراً بالنصيحة التي تقول أن التفكير الإيجابي يجعلنا أكثر تفاؤلاً و سعادة .. لكن… إقرأي المزيد

منذ 8 أشهر

طاقة المكان و البيوفيليا .. حلقة الوصل بيننا و بين الطبيعة

أصبح تسخير قوة الطبيعة لشفاء أجسادنا و عقولنا و أرواحنا من ضروريات هذا العصر ..… إقرأي المزيد

منذ 9 أشهر